فصل: فصل في قراءة قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تتمّة الكلام على هذه الآية بمقتضى الوعد السابق:

لا شكّ أنّ لك مستندا في وجودك، ولا شكّ أنّه أشرف منك، وسيّما من حيث استنادك إليه فإنّ الرتبة الأولى لها الفعل والغنى، وللثانية الفقر والانفعال، فأشرف توجّهاتك نحو مستندك وأشرف أحوالك- من حيث سيرك إليه وقصدك له للقرب منه، والاحتظاء به، معرفة وشهودا ومكانة وتمكينا- أن تقصده بقلبك الذي هو أشرف ما فيك، فإنّه المتبوع لجملتك بتوجّه مطلق جملي، لا من حيث نسبة أو اعتبار معيّن علمي أو شهودي أو اعتقادي يستلزم حكما بنفي أو إثبات بصورة جمع أو فرق وسواهما من الاعتبارات المتفرّعة على النفي والإثبات، كالتنزيه والتشبيه وغيرهما ممّا هو تابع لهما، ما عدا النسبة الواحدة التي لا يصحّ سير ولا توجّه ولا رجاء ولا طلب بدونها، وهي نسبة تعلّقك به وتعلّقه بك. أو قل:
تعقّله لك وتعقّلك له من حيث تعيّنه في علمك أو اعتقاد لك ولو ارتفعت هذه النسبة كباقي الاعتبارات، لم يصحّ السلوك، ولا الاستناد ولا غيرهما، ولا تظنّنّ أنّ هذا الحال إنّما هو بالنسبة إلى المحجوب فقط، بل ذلك ثابت في حقّ العارف المشاهد أيضا فإنّه- ولو بلغ أقصى درجات المعرفة والشهود- لابد وأن يبقى معه اعتبار مبق للتعدّد علما لا عينا، ولو لا ذلك الاعتبار، لم تثبت مرتبة شاهد ولا مشهود ولا شهود، ولا كان سير ولا طلب، ولا بداية ولا غاية ولا طريق، ولا فقر ولا تحصيل، ولا توقّع ولا وصول ولا لسان ولا بيان، ولا رشد ولا رشاد، ولا ضالّ ولا هاد، ولا غير ذلك ولا من هنا ولا إلى هنالك، فافهم.
ثم إنّ العارف قد يرى هذه النسبة الباقية، بعين الحقّ ومن حيث هو سبحانه، لا من حيث نفسه، ولا بعينه وبحسب مرتبته، فيحكم بأنّ مشاهدة تلك النسبة الباقية لا تقدح في تجريد التوحيد، وربما ذهل عنها- لقوّة سلطنة الشهود- أو حجبته سطوة التجلّي عن إدراكها، لكن عدم إدراكه لها لا ينافي بقاءها في نفس الأمر لأنّ عدم الوجدان لا يفيد عدم الوجود.
وإذا تقرّر هذا وعرفت أنّه لا مندوحة من بقاء نسبة قاضية بامتيازك عنه واحتياجك إليه- ولو فرضت أنّها نسبة تعقّل امتيازك عنه بنفس التعيّن فقط- فاجمع همّك عليه، وخلّص توجّهك إليه من أصباغ الظنون والاعتقادات والعلوم والمشاهدات وكلّ ما تعيّن منه لك أو لسواك، أو كان ممّا منعه غيرك وخصّك به دون الخلق وحباك وقابل حضرته- بعد تخليص توجّهك على النحو المذكور- بالإعراض في باطنك عن تعقّل سائر الاعتبارات الوجوديّة والمرتبيّة الإلهيّة الأسمائيّة، والكونيّة الإمكانيّة إعراض سائل وحر عن الانقهار بحكم شيء منها والتعشّق به، ما عدا تلك النسبة المعيّنة بينك وبينه، من حيث عينك لا عينه، فتكون متوجّها إليه من حيث ثبوت شرفه عليك وإحاطته بك وبما لديك توجّها هيولانيّ الوصف، معتليا على الصفات والأسماء على ما يعلم نفسه في أكمل مراتب علمه بنفسه وأعلاها وأوّلها نسبة إليها وأولاها دون حصر في قيد أو إطلاق أو تنزيه أو تشبيه، كما قلنا أو نفيهما، أو الحصر في الجمع بينهما، بقلب طاهر أخلص من هذا التوجّه، قابل لأعظم التجلّيات ولتفني وحدة توجّهك الخالص المحرّض على التجلّي به سائر متعلّقات علمك وإرادتك، فلا يتعيّن لك معلوم، ولا مراد ولا حال ولا صفة إلّا توجّهك الذاتي الكلّي المذكور المنزّه عن كلّ تعين. ومتى تعيّن لك أمرا- إلهيّا كان أو كونيّا- كنت- بحسبه وتبعا له من حيث هو، لا من حيث أنت- بحيث إنّه متى أعرضت عنه عدت إلى حالك الأوّل من الفراغ التامّ بالصفة الهيولانيّة المطلقة المذكورة، بل وزمان تبعيّتك لما تعيّن لك، إنّما تعيّن له من نفسك الأمر المقابل والمماثل له من نسخة وجودك، فنسبة ذلك الأمر إلى ما تعيّنت نسبة منك نسبة التعيّن إلى المتعيّن، فإذا قابلت التعيّن بتعيّن مثله- كما بيّن لك- ظهر الجزاء الوفاق، والعدل التامّ، وما سوى ما تعيّن منك من ذاتك فباق على إطلاقه، لا صفة له ولا اسم ولا كيفيّة ولا وسم ولا تعيّن ولا رسم، كما هو الحقّ سبحانه فإنّه ما تعيّن من ذاته بالنسبة إلى عرصة الألوهة- التي هي مرتبته- إلّا ما استدعته استعدادات الأعيان المتّصفة بالوجود المنبسط منه وهو- من حيث ما عدا ما استدعته وتعيّن بها وبحسبها- باق على الطلسة الغيبيّة الذاتيّة، منزّه عن التقييد بصفة أو اسم أو حكم أو حال أو مرتبة أو رسم، فافهم، وسل ربّك أن تتحقّق بذلك لتكون على صورته، وظاهرا بسورته.
وكلّ حال- ينتقل فيها السائرون إلى الله، الماشون على الصراط المستقيم بنفس تنقّلهم في تلك الأحوال من حال إلى حال، ومن حكم إلى حكم، تأثيرا وتأثّرا- هو حكم حالك المطلق المذكور، كما أنّ مرجع الألوان المختلفة التفصيليّة إلى مطلق اللون الكلّي الذي هو أصلها، فسير هذا اللون المطلق الذي هو المثال نحو الكمال الخصيص بحقيقته هو بالألوان تنويعا وتفصيلا، وإتيانا وتوصيلا، وكمال جميعها في عودها إليه توحّدا وتضوّلا فالمح ما أشرت إليه، وأضفه إلى ما سلف من أمثاله تعرف غاية الغايات، وكيفيّة المشي على الصراط المستقيم الخصوصي، المتصل بأعلى رتب النهايات، حيث منبع السعادات ومشرع الأسماء الإلهيّة والصفات وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. اهـ.

.فصل في قراءة قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}:

قال السيوطي:
{اهدنا الصراط المستقيم} أخرج الحاكم وصححه وتعقبه الذهبي عن أبي هريرة. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: {اهدنا الصراط المستقيم} بالصاد. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن الأنباري عن ابن عباس. أنه قرأ: {اهدنا السراط} بالسين.
وأخرج ابن الأنباري عن عبد الله بن كثير. أنه كان يقرأ: {السراط} بالسين. وأخرج ابن الأنباري عن الفراء قال: قرأ حمزة: {الزراط} بالزاي قال الفراء: و: {الزراط} باخلاص الزاي. لغة لعذرة، وكلب، بني العين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} يقول ألهمنا دينك الحق.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} قال ألهمنا الطريق الهادي، وهو دين الله الذي لا عوج له.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: {الصراط} الطريق.
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والمحاملي في أماليه من نسخة المصنف والحاكم وصححه عن جابر بن عبد الله في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} قال: هو الإِسلام، وهو أوسع مما بين السماء والأرض.
وأخرج ابن جريج عن ابن عباس قال: {الصراط المستقيم} الإِسلام.
وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة: {الصراط المستقيم} الإِسلام.
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مروديه والبيهقي في شعب الإِيمان عن النّواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ضرب الله صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصرط جميعًا ولا تتفرقوا. وداع يدعو من فوق: الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك. لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه. فالصراط الإِسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم».
وأخرج وكيع وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبو بكر بن الأنباري في كتاب المصاحف والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإِيمان عن عبد الله بن مسعود في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} قال: هو كتاب الله.
وأخرج ابن الأنباري عن ابن مسعود قال: إن هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين. يا عباد الله هذا الصراط فاتبعوه،: {والصراط المستقيم} كتاب الله فتمسكوا به.
وأخرج ابن أبي شيبة والدرامي والترمذي وضعفه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في المصاحف وابن مروديه والبيهقي في شعب الإيمان عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ستكون فتن قلت: وما المخرج منها؟ قال: كتاب الله. فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، هو الفصل وليس بالهزل، وهو حبل الله المتين، وهو ذكره الحكيم، وهو الصراط المستقيم».
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود قال: {الصراط المستقيم} الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: {الصراط المستقيم} تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على طرفه، والطرف الآخر في الجنة.
وأخرج البيهقي في الشعب من طريق قيس بن سعد عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «القرآن هو النور المبين، والذكر الحكيم، والصراط المستقيم».
وأخرج عبد بن حميد وابن جريج وابن أبي حاتم وابن عدي وابن عساكر من طريق عاصم الأحول عن أبي العالية في قوله: {الصراط المستقيم} قال: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه من بعده قال: فذكرنا ذلك للحسن فقال: صدق أبو العالية، ونصح.
وأخرج الحاكم وصححه من طريق أبي العالية عن ابن عباس في قوله: {الصراط المستقيم} قال: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي العالية الرياحي قال: تعلموا الإسلام، فإذا علمتموه فلا ترغبوا عنه، وعليكم بالصراط المستقيم فإن: {الصراط المستقيم} الإسلام، ولا تحرفوا يمينًا وشمالًا.
وأخرج سعيد بن منصور في سننه وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عن سفيان قال: ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا...
وأخرج ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية عن أبي قلابة قال: قال أبو الدرداء: إنك لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوهًا.
وأخرج ابن سعد عن عكرمة قال: سمعت ابن عباس يحدث عن الخوارج الذين أنكروا الحكومة فاعتزلوا علي بن أبي طالب قال: فاعتزل منهم اثنا عشر ألفًا، فدعاني علي فقال: اذهب إليهم فخاصمهم، وادعهم إلى الكتاب والسنة، ولا تحاجهم بالقرآن فإنه ذوو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة.
وأخرج ابن سعد عن عمران بن مناح قال: فقال ابن عباس: يا أمير المؤمنين فأنا أعلم بكتاب الله منهم. في بيوتنا نزل فقال: صدقت، ولكن القرآن جمال ذو وجوه يقول... ويقولون... ولكن حاججهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها محيصًا. فخرج ابن عباس إليهم، فحاججهم بالسنن، فلم يبق بأيديهم حجة. اهـ.